سورة القصص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} والمراد من التحريم المنع، والمراضع: جمع المرضع، {مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل مجيء أم موسى، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت لهم: هل أدلكم؟ وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثديا ويصيح وهم في طلب مرضعة له.
{فَقَالَت} يعني أخت موسى، {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ} أي: يضمنونه {لَكُمُ} ويرضعونه، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيرا ترضعه، {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} والنصح ضد الغش، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد، قالوا: نعم فأتينا بها. قال ابن جريج والسدي: لما قالت أخت موسى: {وهم له ناصحون} أخذوها وقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله. فقالت: ما أعرفه، وقلت هم للملك ناصحون. وقيل: إنها قالت: إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك واتصالنا به. وقيل إنها لما قالت: {هل أدلكم على أهل بيت} قالوا لها: من؟ قالت: أميُ قالوا: ولأمك ابن؟ قالت: نعم هارون، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها، قالوا: صدقت، فأتينا بها، فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها، وجاءت بها إليهم، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها، وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه ريًا. قال السدي: كانوا يعطونها كل يوم دينارا فذلك قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا}.
{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} برد موسى إليها، {وَلا تَحْزَنْ} أي: ولئلا تحزن، {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} برده إليها، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أن الله وعدها رده إليها.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قال الكلبي: الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة. قال مجاهد وغيره: ثلاث وثلاثون سنة، {وَاسْتَوَى} أي: بلغ أربعين سنة، ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقيل: استوى انتهى شبابه {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} أي: الفقه والعقل والعلم في الدين، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا، {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.


قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ} يعني: دخل موسى المدينة. قال السدي: هي مدينة منف من أرض مصر. وقال مقاتل: كانت قرية حابين على رأس فرسخين من مصر. وقيل: مدينة عين الشمس، {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة. وقال محمد بن كعب القرظي: دخلها فيما بين المغرب والعشاء. واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت؛ قال السدي: وذلك أن موسى عليه السلام كان يسمى ابن فرعون، فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه، فركب فرعون يوما وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها نصف النهار، وليس في طرفها أحد، فذلك قوله عز وجل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} قال ابن إسحاق: كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به، فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه، فخالفهم في دينه حتى ذكر ذلك منه وخافوه وخافهم، فكان لا يدخل قرية إلا خائفا مستخيفا، فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها. وقال ابن زيد: لما علا موسى فرعون بالعصا في صغره، فأراد فرعون قتله، قالت امرأته: هو صغير، فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته، فلم يدخل عليهم إلا بعد أن كبر وبلغ أشده فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، يعني: عن ذكر موسى، أي: من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم به وروي عن علي في قوله: {حين غفلة} كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم. {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ} يختصمان ويتنازعان، {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} بني إسرائيل، {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} من القبط، قيل: الذي كان من شيعته السامري، والذي من عدوه من القبط، قيل: طباخ فرعون اسمه فليثون. وقيل: {هذا من شيعته وهذا من عدوه} أي: هذا مؤمن وهذا كافر، وكان القبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع، وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم، فوجد موسى رجلان يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، والاستغاثة: طلب الغوث، فغضب موسى واشتد غضبه؛ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة من أم موسى، فقال للفرعوني: خل سبيله، فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، فنازعه، فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك، وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش، {فَوَكَزَهُ مُوسَى} وقرأ ابن مسعود: {فلكزه موسى}، ومعناهما واحد، وهو الضرب بجمع الكف. وقيل: الوكز الضرب في الصدر واللكز في الظهر. وقال الفراء: معناهما واحد، وهو الدفع، قال أبو عبيدة: الوكز الدفع بأطراف الأصابع، وفي بعض التفاسير: عقد موسى ثلاثا وثمانين وضربه في صدره، {فَقَضَى عَلَيْهِ} أي: فقتله وفرغ من أمره، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه، فندم موسى عليه السلام، ولم يكن قصده القتل، فدفنه في الرمل، {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} أي: بين الضلالة.


{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بقتل القبطي من غير أمر، {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} بالمغفرة، {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا} عونا، {لِلْمُجْرِمِينَ} قال ابن عباس: للكافرين، وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا، وهو قول مقاتل، قال قتادة: لن أعين بعدها على خطيئة، قال ابن عباس: لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8